حكايات احسان عبد القدوس
عائلتي كلها دخلت السجن لأسباب سياسية أبتدأ من جدتي "فاطمة اليوسف" أو "روزاليوسف" ، ومروراً بوالدي "إحسان عبدالقدوس" ، وربنا يرحمهم جميعاً وإنتهاء بالعبدلله الذي هو أنا!
وفي ذكرى محنة إعتقالات "السادات" في سبتمبر ١٩٨١ .. كنت أيامها في مقتبل العمر ، صحفي ناشئ برز أسمي بسرعة في أخبار اليوم حيث كنت أعمل ، بالإضافة إلى مقالاتي النارية ضد النظام الحاكم في ذلك الوقت إحتجاجا على معاهدة "كامب ديفيد" والصلح مع العدو الصهيوني ، وسياسة السداح مداح التي رافقت الإنفتاح الإقتصادي ، وكذلك كنت ضمن قائمة الصحفيين الذين صدر قرار بإعتقالهم ضمن ١٥٠٠ معارض للرئيس الراحل "أنور السادات" رحمه الله ضمت فئات شتى من المجتمع من مختلف الأحزاب السياسية والأقباط والتيار الإسلامي ، والعديد من الطلاب وبعض أستاذة الجامعات ، وكانت هذه أول مرة يتم إعتقالي ، وقد تواترت أنباء قبلها أن هناك حملة إعتقالات ستجري ، وقبيل فجر الأيام الأولى من شهر سبتمبر عام ١٩٨١ أقتحمت قوة منزلنا بالزمالك الذي أسكن فيه مع والدي وأمي!
وبداية الإقتحام جرس متواصل وخبط شديد على الباب ، ودخل منزلنا ضباط ثلاث ما شاء الله طول بعرض !!
لكن بمجرد دخولهم أصابتهم "خضة" وألجمتهم المفاجأة حيث كان "إحسان عبدالقدوس" جالساً مع بعض ضيوفه وكلهم أناس مشهورين في المجتمع .. والسهرة معهم ممتدة !!
وأصيب رجال الشرطة بالذهول ! وبدا عليهم الإرتباك .
وقال كبيرهم: إحنا متأسفين قوي يا فندم .. بس إحنا عايزين "الأستاذ محمد" !! ونظر إليهم والدي وضيوفه في دهشة وصمت فهو صديق "للسادات" من سنوات طويلة جداً ولم يكن يتوقع أن يوافق على إعتقالي !
أما أمي الحبيبة الجدعة رحمها الله فلم تسكت بل أنفجرت في رجال الشرطة قائلة بغضب: المنازل لها حرمة إزاي تتهجموا بيتنا بالطريقة دي ؟
ولم يرد أحد منهم وبدا عليهم الضيق وقال أحدهم: معلش متأسفين يا فندم بس إحنا عايزين "الأستاذ محمد" .. وخلي بالك من كلمة "يافندم" و"أستاذ" التي لا تقال في هذه المواقف ..
وأخيراً جاءهم المطلوب لديهم الذي هو أنا ، فقال لي الضابط: عايز أعمل طلة على أوضتك ، وثارت ست الحبايب من جديد .. وبعد أخذ ورد ودخلوا حجرتي وألقوا عليها نظرة سريعة ، ولم يهتموا بتفتيشها فقد كان الإحراج يلازمهم وصيحات والدتي تطاردهم وأرادوا مغادرة منزلنا في أسرع وقت ، وقال أحدهم لوالدي قبل أن ينصرف: أنا آسف قوي على الإزعاج ده !
وفي سيارة البوكس التي ركبتها معهم قال لي أحدهم مداعبا: والدتك باين عليها ست صعبة قوي!
ولم أرد بل قلت في نفسي: أمي ست جدعة قوي.
وأسألك: أليس ما جرى حالة فريدة من نوعها لا تتكرر في عمليات القبض التي تقوم بها الشرطة ؟؟
ملاحظة: كانت هذه هي المرة الوحيدة التي تم القبض علي من منزلي ، وفي عهد الرئيس "مبارك" رحمه الله تكرر إعتقالي مرات عدة بسبب الإحتجاجات التي كانت تجري أمام نقابة الصحفيين وكنت مسئولا عن لجنة الحريات بها .. وكذلك في معرض الكتاب أمام الجناح الإسرائيلي .. وغير ذلك ، لكن نيابة أمن الدولة كانت تفرج عني سريعاً لأنهم يعلمون أنني متظاهر سلمي .. أيامها كان هناك قضاء في مصر بحق وحقيقي !!
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق