حسن مدبولي يكتب : الرد على إبراهيم عيسى


وسط هذا الخراب العربي الذي نعيشه، يخرج علينا إبراهيم عيسى بخطاب متشنّج، لا يخلو من نزعة عنصرية خبيثة ، يرفع فيه راية الاعتذار المزيّف لما يسمّيهم "المسيحيين العرب". خطاب يفيض بالتدليس والتلفيق، موجَّه في الحقيقة لعدّة جهات: العدو الأميركي ـ الأوروبي الصهيوني، والأقليات المسيحية العربية، ثم شريحة من الفاسدين والمتواطئين من المسلمين أنفسهم.

فيردّد عيسى بلا خجل السردية التي يتبنّاها اليمين المسيحي ـ الصهيوني الغربي ضد الإسلام والمسلمين، والتي يسوّغ بها ذلك اليمين الفاشي كافة الجرائم الإسرائيلية في غزة.

 كما يحاول عيسى ترديد ترهات بعض العرب ممن يرفعون لواء "الديانة الإبراهيمية" الجديدة، في دعوة صريحة للتطبيع والتواطؤ.

والخطاب كله مبني على مغالطات. إذ يتباكى على "المسيحي العراقي" الذي  تعاون مع الاحتلال الأميركي، وعمل خادمًا ومترجمًا لديه،  وكأنَّ هذه الخيانة بطولة وطنية! موردا بالكذب ان ذلك المواطن العراقى المسيحى المسكين  هاجر وفر من العراق عقب الغزو الاميركى ،نتيجة الاضطهاد الذى تعرض له على يد المسلمين الدواعش، كما أنه حاول إخفاء جرائم الغزو الأميركي ـ الأوروبي ضد كافة العراقيين خاصة المسلمين المقاومين ولم يخجل من ترديد دعايات ذلك الغزو، التي شيطنت المسلمين هناك عبر قصص مزعومة حول المذابح التي تعرض لها الأيزيديين والمسيحيين هناك ، متجاهلاً في الوقت ذاته أعمال القتل والابادة في ملجأ العامرية وغيره، وجرائم التعذيب والاغتصاب داخل سجن أبو غريب وخارجه. موردا فى الوقت نفسه احصائيات مغرضة حول تناقص اعداد الاقليات المسيحية  هناك نتيجة لما تعرضوا له من تهجير قسرى على يد المسلمين  !!

أما في سوريا، فقد حاول عيسى أن يصوّر الوضع هناك ويختصره في كونه حربًا دينية تقع ضد المسيحيين منذ خمسة عشر عامًا، انتهت بتولى الجولانى ،  بينما الحقيقة الموثقة تؤكد أن الأقليات الحاكمة والمتحالفة (علويون ومسيحيون ودروز) هي التي احتكرت السلطة والسلاح، واستخدمتها لقمع السوريين المسلمين (السنة) عبر القتل والاغتصاب والاعتقال والتهجير. وحين دفع هذا القهر ببعض الضحايا نحو التطرّف، كان جزاؤهم براميل متفجرة وصواريخ كروز شاركت فيها كل القوى الدولية، من موسكو إلى لندن وباريس وواشنطن، تحت ذريعة "محاربة الإرهاب".

أما في لبنان، فقد غضّ عيسى الطرف عن الدور الكارثي الذي لعبته الميليشيات المسيحية في التحالف مع إسرائيل،وارتكابها  للمجازر الواسعة بحق المسلمين والفلسطينيين؛ من تل الزعتر إلى صبرا وشاتيلا، وهي مذابح موثّقة وقعت برعاية صهيونية وبأيدٍ لبنانية مسيحية، تجاهلها عيسى ومرّ عليها مرور اللئام.

وفي فلسطين، يتباكى عيسى على "مظلومية" المسيحيين العرب،  لكنه يتجاهل أن الرموز الوطنية المسيحية أمثال جورج حبش وكمال ناصر وكمال عدوان، لم يُخلفهم أحد حتى اليوم. فعلى الرغم من كل الأحداث التي تجتاح الضفة وغزة والأماكن المقدسة في فلسطين، فإننا لم نشهد حتى الآن شهيدًا مسيحيًا واحدًا في المعتقلات أو ساحات المواجهة، بينما المسلمون يُقتلون يوميًا في غزة والضفة. حتى استشهاد شيرين أبو عاقلة او قصف بعض المبانى المسيحية فى غزة فقد وقع بالصدفة، و قوبل بضجة عالمية واسعة ، نالت أكبر مما حظي به آلاف الضحايا الآخرين من المقاومين وغير المقاومين. 

بل واختفت حتى الأنشطة السلمية المسيحية في مواجهة الاحتلال بكامل الاراضى المحتلة ، وإلا فأين هي المظاهرات المسيحية في بيت لحم، أو وقفات كنيسة المهد تضامنًا مع غزة والضفة، كما يحدث احيانا  في المسجد الأقصى مثلًا؟!

حتى في مصر، تغافل عيسى عن خيانة "المعلم يعقوب" الذي تحالف مع الفرنسيين ضد بلده، وحاول تقديم صورة وردية عن "ملائكة" لا يخطئون. ثم إذا به ينتهي إلى التحذير من "تماهي الدولة في مصر مع القيم الإسلامية أو المحمدية"، مروّجًا في الوقت نفسه لفكرة الديانة الإبراهيمية التي ليست إلا بوابة للتطبيع ومسخ الهوية.

إن خطاب إبراهيم عيسى ليس مجرد رأي عابر، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من التزوير والتضليل تخدم مشروعًا خطيرًا يستهدف وعي الأمة وهويتها. ومن هنا، فإن الرد الحقيقي لا يكون بتجاهله او تحسس ماورد به خجلا أو هلعا ، بل يكون بكشف زيف خطابه هذا، وربطه بالسرديات الصهيونية والغربية التي يريد تسويقها في ثوب "اعتذار تاريخي".

تعليقات