لم تعد إسرائيل تكتفي باستهداف غزة المحاصرة، ولا الضفة المشتعلة، ولا جنوب لبنان المقاوم، ولا حتى سوريا التي تحولت إلى ساحة مفتوحة للتدخل والعدوان والاستباحة الإسرائيلية.
العدوان الغادر على الدوحة يكشف أن خارطة الاستهداف قد تمددت، وأن منطق الحرب لم يعد محصورًا في الجغرافيا الفلسطينية، بل بات يلاحق كل من يلامس فكرة المقاومة، أو يحتضن بعضًا من ممثليها، أو يتفاوض باسمها.
الضربة جاءت بينما كانت واشنطن تنتظر ردًا من حماس على ما تسميه مبادرة سلام، ما يعني أن إسرائيل لم تتورع عن وضع البيت الأبيض في موقف محرج، والأهم أنه يكشف عن رغبة إسرائيلية في فرض إيقاعها الخاص على المشهد.
الهدف واحد: كسر إرادة المقاومة، أينما كانت.
لكن المخطط متعدد المستويات:
- سياسيًا: ضرب الوسيط، وإرباك المسار التفاوضي، وإعادة تعريف من يُسمح له بالحديث في ملفات الصراع.
- أمنيًا: اغتيال القيادات في لحظة تفاوض، وتحت حماية رسمية، لإشعار الجميع أن لا حصانة لأحد.
- استراتيجيًا: توجيه رسالة إلى دول الخليج، بأن المظلة الأميركية لا تحمي من الاستهداف الإسرائيلي، وأن من يفكر في استضافة المقاومة، عليه أن يتوقع الضربة. وأن بدفع الثمن الباهظ.
- رمزيًا: أن تُضرب الدوحة، يعني أن إسرائيل باتت ترى في كل عاصمة عربية ساحة متاحة، وأن إسرائيل لم تعد ترى في الجغرافيا السياسية أي خطوط حمراء.
إنها خريطة جديدة تُرسم حدودها وملامحها وقواعد الاشتباك فيها بأيدي الصهيونية، اليمينية، النتنياهوية.
خريطة لا تعترف بالسيادة، ولا تحترم الوساطة، ولا تضع في حساباتها التحالفات.
ما جرى بالأمس في قلب الدوحة ليس مجرد عدوان عسكري غادر.
إنه بيان سياسي وأمني واستراتيجي، يعيد تشكيل مفهوم "الردع"، في المنطقة بأسرها
ويطرح سؤالًا وجوديًا على كل الأطراف:
هل ما زالت هناك قواعد اشتباك؟ أم أن المنطقة دخلت زمن الفوضى المنظمة، حيث تُقصف الوساطة، وتُغتال فكرة التفاوض، ويُلاحق الوجود العربي كله: لا مكان فيه لمن يرفع رأسه ويعترض على كل هذه الاستباحة.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق