معصوم مرزوق يكتب : وليمة الأيتام علي مائدة اللئام في واشنطن !


مساء أمس ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥ ، وقف رونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، وإلي جواره بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني في مؤتمر صحفي ، تقدم  فيه ترامب بقراءة محتويات وثيقته التي يرغب في الحصول من خلالها علي " جائزة نوبل للسلام " .

وربما من المبكر الإحاطة بكل ملابسات هذه الوثيقة ، ولكن من اللحظة الأولي ، ومن واقع تعليقات نتنياهو نفسه ، يتضح أن ما أطلق عليه إسم :  " خطة ترامب " ، هي وثيقة صاغها نتنياهو ووقع عليها ترامب ، ويدعون أن لديهم شهود زور عليها من عرب ومسلمين ! .

والحقيقة الأولي التي لا يمكن إنكارها ، هي أنه منذ قفز ترامب إلي سدة الحكم ، أصبح البيت الأبيض في واشنطن ساحة للثرثرة الفارغة Talk for talk  ، ربما لا تختلف كثيراً في " الصنف " عن " ثرثرة " عوامة نجيب محفوظ .. مجرد تهويم فارغ يسبح في سحابات دخان أزرق !

ورغم ذلك ، قد يكون من الخطورة الإستهانة بما يصدر من " ترهات " ( مثل التوجه لإحتلال كندا ، وقناة بنما و .. إلخ ) ، ولكن الأخطر هو أخذ كل ما يثرثر به ترامب بجدية ، فهو قد يقول ليلاً ما يقول عكسه في الصباح ، سواء في سياسته الداخلية آو الخارجية 

وثيقة بها من الثقوب أكثر مما بها من سطور تحمل أي مضمون حقيقي يقترب و لو من بعيد لحل أزمة الشرق الأوسط ، وما حدث بالأمس في واشنطن يبدو أنه وليمة لم يدع إليها الفلسطينيين ، أما العرب الذين أشار ترامب إلي دعمهم إلي تلك الوثيقة ، فقد كانوا مثل الأيتام حول مائدة اللئام .

وبشكل عام ، تلك وثيقة أخطر من وعد بلفور ، فإذا كان الوعد قد تحدث عن دولتين في فلسطين إحداهما عربية و الأخري يهودية ،  فأن وثيقة ترامب تعني تصفية نهائية للقضية الفلسطينية ، حين تشير إلي الحقوق الفلسطينية بإعتبارها مجرد " أمنيات " ، ودون إشارة إلي ما اكتسبته مسألة الدولة الفلسطينية من اعتراف دولي واسع .

فعلي سبيل المثال ، القيد الزمني الوحيد الذي حددته الخطة هو ٧٢ ساعة كي تعلن حماس قبولها لكل ما جاء بالوثيقة ، فإذا رفضت فأن علي إسرائيل أن تفعل ما تشاء ،  أما غير ذلك فلا تحديد لجدول زمني لإنسحاب القوات الإسرائيلية من غزة ، ولا تحديد لموعد فتح كل المعابر لتدفق المساعدات إلي الشعب المحاصر ، ولا تحديد يربط ما بين فك القيود لإنطلاق ما يسمي " السلام الإبراهيمي " ، مع نهاية الإحتلال الإسرائيلي وانسحابها من الأراضي التي احتلتها عام ١٩٦٧ .

مجرد ٧٢ ساعة حتي لا تصل ذكري السابع من أكتوبر إلا بإعلان بهزيمة المقاومة الفلسطينية ، ويحقق ترامب لإسرائيل ، دون أن يطلق طلقة واحدة ، ما عجز نتنياهو علي مدي عامين من تحقيقه ، رغم استخدامه لكل ما في ترسانة إسرائيل وأمريكا من أسلحة الدمار الفتاكة . 

حقيقة الأمر أن تلك الوثيقة تقدم لبنيامين نتنياهو طوق نجاة ، وتربطه بحبل هو في حقيقته مشنقة للأمال المشروعة للشعب الفلسطيني، وبينما يتتالي الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية ، وتتجه قوافل سفن العالم إلي شواطئ غزة ، في أكبر مظاهرة بحرية سلمية لدعم أي قضية في التاريخ ، يسارع ترامب لإنقاذ رفيقه في مذبحة غزة .

مجلس السلام برئاسة ترامب وعضوية قطر وبريطانيا أو بالأحري أبو العروسة ومعه سفاح بغداد توني بلير ، وربما بعض شهود الزور ، لإدارة غزه .

لقد حاول ترامب إعطاء انطباع بحصول خطته علي مباركة الدول العربية والإسلامية ، ولو صح ذلك ، فأنه يعني ببساطة أن تلك الدول قد وافقت علي إلقاء قرارات قممها المتتالية في صندوق القمامة ، لأن وثيقة ترامب لم تتضمن أي إشارة إلي تلك القرارات أو حتي أدرجت أياً  من ضماناتها . 

ومن ناحية أخري فآن الوثيقة تحتقر السلطة الفلسطينية ، وتركلها جانبا ، ومعها اتفاق أوسلو وكل الإتفاقات التي وقعت بعده علي مر السنين .

أن الموافقة علي ما جاء في تلك الوثيقة بغير شروط ، تعني إلغاء موقف محكمة العدل الدولية بشأن ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة ، كما تعني أيضا إلغاء موقف المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بأوامر الضبط والإحضار لمجرمي الحرب الإسرائيليين ، وعلي رأسهم بنيامين نتنياهو .

ومن المؤكد أنه ليس لأحد أن يقرر نيابة عن المقاومة الفلسطينية الموقف من تلك الوثيقة ، و إذا كان هناك ما يمكن قوله فهو أنه قد يكون من الصحيح أن يتم رفض هذه الخطة ، ولكن ذلك في تقديري ليس الأصح ، كما أن القبول المطلق بما جاء فيها هو إعلان الإستسلام بلا قيد آو شرط ..

وما ببين القطبين ( القبول والرفض ) هناك الكثير مما يمكن أن يقال ...

وحتي كتابة هذا المقال المختصر ، فلا يوجد حتي الآن تعقيب رسمي من أي دولة عربية أو إسلامية علي ما ورد بشأنهم في بيان ترامب أمس .

ورغم كل ما تقدم ، وفي إطار تحرك دبلوماسي نشيط ، يمكن أن تري المقاومة الفلسطينية الإعلان عن موافقتها علي ما جاء  وثيقة ترامب بشأن وقف إطلاق النار والإنسحاب الإسرائيلي ، مع طلب ضمانات محددة يتم إفراغها في وثيقة للأمم المتحدة تشير إلي القرار 181 ، وتضع جدول زمني ملزم لتنفيذه ، بما يتضمن مسألة عودة اللاجئين أو تعويضهم ، وكذلك الإعلان الواضح بالإعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها في القدس الشرقية ، وأن يتم كل ذلك تحت الإشراف المباشر للأمم المتحدة ، مع إستئناف عمل الأونروا ودعمها.

وقد لايبقي بعد فشل خطة ترامب ، إلا العمل علي إنجاح خطة الرئيس الكولومبي التي أعلن عنها في نيويورك علي هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة .

تعليقات