في العادة لابد أن نتفائل مع كل تغيير جديد في أي مجال، ونسعد بكل خطوة فيها أمل للتحديث، التجديد، ودماء جديدة تضخ قوة للطاقات الموجودة إذا أفترضنا أن هناك طاقات قديمة تعمل بقدر كفاءتها ومهارات أفرادها، وتتصاعد الأمال ولكن ما أن تظهر عناصر التغيير حتى نقول "أحمد زي الحاج أحمد" ونؤكد "يا ريت يا أبوزيد ما غزيت" تعبيرا عن خيبة الأمل التي في عادتها راكبة جمل، وهكذا استصعب الأمر في بداية الحدث عندما أجد نفسي غير قابل للتفائل، واقول دعني لا أحبط عمل القادمين، ولا المتفائلين بالتشكيل، وهكذا كان حالي متابعا للجنة التي شكلها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصر لتطوير الإعلام.
لماذ كل هؤلاء؟
لجنة كبيرة جدا تتكون من 67 عضوا تحت رئاسته، وتسائل جمع من المثقفين والمهتمين لماذا 67 فقط وتداعي في اذهان البعض عام هزيمة يونيو وخاصة ونحن في أجواء احتفال نصر أكتوبر العظيم، فلماذا لم يضاف ستة أعضاء لتكون المحصلة 73 عضوا فيستدعي هذا روح أكتوبر مما يجعل الأمل أكبر، واقترح البعض أسماء غابت عن اللجنة ربما كانت مفيدة في ظنهم، الشيء الغريب في لجنة تطوير الإعلام أن أغلب الذين أختارهم رئيس الوزراء هم من تولوا قيادة الإعلام خلال السنوات العشر الماضية، وبعضهم كانوا من القيادات من قبل هذا، وبدا تشكيل اللجنة غالبا عليه من أفشلوا هذا الإعلام أو من كان قيادات ومفكرين له خلال الربع قرن الماضي، بينما غلب على التشكيل أصحاب الأعمار الكبيرة ممن تناولوا على التفكير أو قيادة كل وسائل الإعلام مرئية ومكتوبة.
التشكيل معتاد جدا حتى أم أسماء معينة كانت موجودة في كل لجان التطويرأو قوانين الإعلام منذ أكثر من ربع قرن، أي نعم هناك عدة أسماء تقارب عشر أسماء او أكثر قليلا تحظي باستقلالية عن دولاب الدولة ولها تجارب أقتربت من النجاح ولكن ماذا يفعل 15عضوا وسط هذا العدد من الأسماء الذين لا تخلو لجنة من لجان الإعلام منهم.
السؤال الذي يلح على الجميع ماذا يفعل كل هذا العدد في اللجنة؟ لو أفترضنا أن الجميع بدأوا اجتماعات ما المدة الزمنية المطروحة لكل عضو ليتكلم عن رؤيته في التطوير المنتظر؟ في أي اجتماع إذا تكلم العضو خمس دقائق فنحن بحاجة إلى ساعات ست لكي ينتهي الاجتماع، وفكرة الدقائق الخمس مستحيلة عمليا في هذه الحالة، وقد كانت لي اكثر من تجربة في مثل هذه اللجان ربما من المفيد سردها، إذن ماذا سيفعلون حتى لو تمت الاجتماعات واللجان و تم توزيع العدد على موضوعات متعددة كما حدث في لجنة الحمسين لإعداد قوانين الهيئات الإعلامية الثلاثة في عام 2015، كان العدد 50 وزعوا على ثلاث لجان كل لحنة مختصة بهيئة من الهيئات، وكنت عضوا بها.
اجتماعات ومعارك وأوراق
اجتمعنا في البداية لنضع قواعد عامة أكثر من شهر، وتوالت الاجتماعات لنكتشف في النهاية أنه من المستحيل النقاش كليا في وجود هذا العدد، ثم تم التقسيم ثلاث لجان حسب تفضيل كل عضوا، توزعنا وفي اللجان الأقل لم تكن المسالة بسيطة كما أعتقد من يحسنون الظن، كان الوضع مختلفا قليلا والأحلام كبيرة في صياغة قوانين محكمة وتبصر مستقبل أفضل للإعلام بكافة وسائله، ورغم أن تشكيل اللجان غلب عليه أسماء كثيرة من نفس عينة لجنة تطوير الإعلام الجديدة، بل هي نفس الأسماء تقريبا فيما عدا من غيبهم الرحيل، أو البعد.
كانت السمة الغالبة في تلك اللجان كما الحالية أن الأغلبية ممن أفشلوا الإعلام والهيئات، والغالبية تأتي هنا كي تتكلم وفقط، ولا يهمها بعد ذلك ماذا سيتم بعد ذلك تنفذ القوانين، أو المقترحات أو لا تنفذ، والجميع حاضرا وفي ذهنه أن هناك خطة موضوعة سيتم تنفيذها في النهاية، أما نحن فديكور لما سيتم الإعلان عنه، وفي تلك الأوقات يتوه الذين جاؤوا بحسن النية، وحتى لو استطاعوا الكلام ماذا يفعلوا في ظل أغلبية أهم ما يعنيها بدل اللجان، إذكر أن نقاط كثيرة كانت تأخذ منا جهدا ووقتا من أجل ضبط الكلمة والجملة بما لا تسمح بالتلاعب، أو لا تعطي فرصة لجهة ما للتحكم في مصير اللحنة، أو الهيئة، وفي النهاية يقترح اللجوء للتصويت، وفي التصويت تكسب الأغلبية.
أوراق وتوصيات للفرم
طبعا هذا لا يعني عدم المحاولة لمجموعة العشرة الذين نظن فيهم الخير في لجنة تطوير الإعلام المشكلة بقرار رئيس الوزراء، ولكن يظل السؤال معلقا: ما مصير الناتج من هذه الاجتماعات التي يقدر زمنها في أقل تقدير ستة شهور؟ في تجربتي السابقة وبالمناسبة كانت تضم أسماء كثيرة جيدة تقترب من الثلث سواء كان ذلك في كتابة نقابة الإعلاميين، أو قوانين هيئات الإعلام الثلاثة، استمرت اجتماعات الأولى حوالي ثلاثة شهور وكان العدد 14 عضوا، والثانية استمرت ما يقارب ستة أشهر وكان العدد 50، من الطرائف مثلا في اجتماعات لجنة كتابة قانون النقابة أن أسم النقابة الأول كان نقابة الإذاعيين وكان هذا الأسم من قبل المتشددين أقرب للصحيح، ولكن أعترض الكثير لأنه أقل شهرة أو غريب، واستمر النقاش حول الأسم خمس سنوات من 2009 حتى 2015 عنما صدر قانون النقابة.
مثل هذه الطرائف تحدث في اللجان فما بالك بالأساسيات التي في صلب الموضوع، تظل النقاشات وخاصة التي يخوضها الذين يأملون تغييرا لمدد زمنية طويلة، وفي النهاية يتوافق أو تصل المنصة إلى توافق على قواعد وبنود جيدة ومقبولة، ثم تذهب الأوراق إلى لجنة صغيرة مشكلة من شخصيات أكثر قربا وثقة من الحكومة، أو تقبع في درج المسؤول سنوات، إذكر أن قانون نقابة الإعلامييبن ظل في درج وزير الإعلام أنس الفقي عامين حتى قامت ثورة يناير وهو في مكانه، ثم تذهب الاقتراحات إلى رئيس الوزراء ورؤساء الهيئات الثلاثة، ثم يتم التغيير فيها حتى يرضى عنها المسؤولون.
حدث هذا في قوانين الهيئات الثلاثة كما حدث في قانون النقابة، حتى تظن أنك الخارج لم يكن هو الذي ناضلت، ناقشت، وخسرت من أجله وقتا، وجهدا وأحيانا كثيرة بشرا، ظنى أن هناك شحصيات لا تتعدى خمس شخصيات جلست وكتبت وقننت، والقت بالأوراق التي استهلكت جهدنا، وأوقاتنا في ماكنية فرم الأورق ثم أخرجت قوانين آخرى هي التي قننت أوضاع الإعلام المصري ونقابة الإعلاميين، واعتقد أن مصير أوراق لجنة تطوير الإعلام سيكون نفس مصير السابقة حتى لو كانت أغلبية من كتبوه أهل قرب وثقة من الحكومة، وكما يقولون إذا كان الإغلبية في اللجنة مسؤولين عن فشل الإعلام فكيف يصلحونه؟ فمن أفشل لا يصلح! وبعد طريق أصلاح الأعلام المصري لا يمكن في غياب حريته، تنوعه، وفي ظل التمسك بالرأي الواحد، المنتج الواحد، الصوت الواحد، طريق الأصلاح معروف إذا أرد صاحب القرار.

تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق