يسري فوده يكتب : في حضرة سيد مجرم الحرب


لستَ مضطرًا إلى طلب المساعدة من غوغل، أو غيره من محركات البحث، كي تحصل على قائمة صادقة بما قدمه ترمب حتى الآن للكيان المحتل• لقد لخصها لنا نتنياهو بنفسه في معرض احتفائه بترمب اليوم داخل الكنيست:

- "شكرًا على اعترافك بالقدس عاصمةً أبدية لإس-رIئيل، وعلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس"

- "شكرًا على اعترافك بالسيادة الإس-رIئيلية على مرتفعات الجولان"

- "شكرًا على وقوفك في وجه الأكاذيب بحق إس-رIئيل في الأمم المتحدة"

- "شكرًا على اعترافك في خطة 2020 للسلام بحقنا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أرض الأسلاف للشعب الي@ودي"

- "شكرًا على وساطتك من أجل صك الاتفاقات الإبراهيمية"

- "شكرًا على انسحابك من الاتفاق النووي الكارثي مع إيران"

- "شكرًا على دعمك عملية الأسد الناهض، وعلى قرارك الجريء لشن عملية مطرقة منتصف الليل (على غزة)"

"أصدقائي، هذه فقط قائمة جزئية" مما قدمه ترمب لهم حتى الآن، يؤكد نتنياهو بينما يجلس ترمب منتشيًا على بعد ذراع منه داخل الكنيست وسط موجات من التصفيق•

هذه هي الحقيقة بوجهها العاري الصفيق قبل ساعتين فقط من تحرك ترمب من مبنى الكنيست نحو شرم الشيخ وعلى جبينه ختم نتنياهو: "سيد مجرم الحرب"• بينما ينغمس كثيرون في محاولة تحليل الحصاد منذ الطوفان إلى حرب الإبادة إلى المقاومة إلى شرم الشيخ - تفاؤلًا أو تشاؤمًا أو توازنًا واقعيًا - سيكون من المفيد أخذ هذه الملاحظات في الاعتبار:

على قدر السكرة التي غرق فيها الكيان اليوم وهو يتابع عملية الإفراج عن الرهائن يضع احتفاؤه المتضخم براعيه خطوطًا عريضة تتجاوز ما أراد الكيان أن يظهره للعالم (ولنفسه) من قوة نحو إبراز ما لم يقصد، وما لم يقصد ظهوره هو ببساطة مدى هشاشة ذلك الكيان الذي - رغم كل ذلك الفارق في موازين القوة ورغم الحلفاء الكبار الذين ساعدوه - انكشف باطنه، سواء أمام إيران أو أمام غرْة، ولم يستطع حتى بعد تدمير القطاع عن بكرة أبيه أن يحدد مثلًا أين خبأت المقاومة رهائنه، حتى صبيحة حرب أكتوبر 73 لم أر الكيان بهذه الهشاشة الذهنية والنفسية والعصبية كما أراها الآن•

 من الداخل الإسرائيلي إلى الداخل الأمريكي، يشير ترمب أثناء كلمته في الكنيست إلى سيدة بعينها هو نفسه لا يعرف إن كان ولاؤها لبلدها (أمريكا من المفترض) أم للكيان• هي أرملة حوت كازينوهات القمار في أمريكا، شيلدون أديلسون، أضخم متبرع لترمب في حملتيه الاثنتين نحو البيت الأبيض• يدعوها ترمب للوقوف وسط عاصفة من التصفيق بينما يقص كيف أنها أقنعته بالاعتراف بسيادة الكيان على مرتفعات الجولان المحتل•

هذه الأرملة مثال واحد لسرطان ينخر في عظام أمريكا على مدى نحو سبعين عامًا حتى الآن من وجهة نظر الوطنيين فيها، لكن جمرًا تحت الرماد يمكن الآن ملاحظته بالعين المجردة بين تيار وطني واقعي انعزالي تقوده الآن حركة ماغا واللوبي الصهيوني الذي "يجر أمريكا من أنفها في الشرق الأوسط" على حد تعبير مؤسس وحدة بن لادن داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية، ويستنزف عرَق دافع الضرائب الأمريكي لمصلحة دولة أجنبية كما يرى ملايين "الوطنيين" الأمريكيين•

 نستطيع أن نتخيل رسمًا بيانيًا يحتوي خطين أحدهما هابط والآخر صاعد، يتقاطعان لدى نقطة ما في المستقبل• متى؟ الله أعلم، وإن كنت أراها في تلابيب الأفق• فأما الخط الهابط فهو منحنى أمريكا كقوة عظمى وحيدة تتحكم في مقدرات العالم• هذا هو الراعي الأهم للكيان، وهذا الخط بدأ في الهبوط قبل أكثر من ربع قرن وهو مستمر في الهبوط وسيتسارع إيقاع الهبوط على مدى العقد أو العقدين القادمين بينما تكمل قوى دولية أخرى قدراتها نحو ما يبدو أنه سيكون نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب• وبينما يحدث هذا ستتفاقم المواجهة في الداخل الأمريكي بين ماغا و"الوطنيين" من ناحية واللوبي الصهيوني من ناحية أخرى• ولهذا ستسعى الدوائر الصهيونية إلى تعزيز جهودها نحو موطئ قدم لها لدى القوى الأخرى التي ستشكل النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب•

أما الخط الصاعد فهو في رأيي صاعد لأنه ببساطة لا يوجد له اتجاه غير ذلك لأنه بلغ قاع الهبوط الذي انكشف غوره على مدى الأعوام القليلة الماضية، خاصةً العامين الأخيرين• هذا هو وضع الأنظمة العربية بالنسبة إلى الشعوب، وهو وضع شاذ أمام أي منطق حين تستقي الأنظمة شرعيتها وحمايتها من أعداء الشعوب ضد الشعوب أنفسها• ورغم حالة الإرهاق الشديد التي أصابت الشعوب على مدى أكثر من عقد من الزمان فإن ثمة ما يدعو إلى الأمل في صعود هذا الخط بعد زخم ضخم إقليميًا ودوليًا، خاصةً بين صفوف أجيال جديدة كنا نحسبها ضاعت قبل أن نكتشف مدى وعيها بالثوابت وبمدى صدقية السرديات، سواءٌ ما يتعلق منها بالداخل أو بالكيان أو بالعالم• ربما لن يدرك مثلي نقطة التقاطع هذه في حياته، لكن هذا هو الخط الأهم الذي لا اتجاه له الآن - كما يوحي المنطق والواقع - سوى الصعود•

تعليقات