حسن مدبولي يكتب : من دروس غزة الصليب الأحمر!


على مدى عامين كاملين من الحرب على غزة، تابعنا مواقف إنسانية مشرفة لمنظمات دولية مثل وكالة "الأونروا" وبعض الهيئات الإغاثية الأخرى، التي رغم ضعف الإمكانات، حاولت القيام بواجبها الإنساني قدر المستطاع.

لكن في المقابل، شهدنا سلوكًا مريبًا ومخجلاً من مؤسسات تدّعي الحياد والإنسانية، وفي مقدمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي كشفت مأساةحرب الإبادة فى غزة عن وجهها المنحازٍ والصامتٍ أمام الجرائم والكوارث الإنسانية.

وقد برزت سمات  هذا الوجه القبيح  في ممارسات عديدة، من أبرزها تجاهل نداءات عاجلة متعددة تتعلق بعمليات الإخلاء الطبي في مستشفى الشفاء، ورفض التدخل لإنقاذ الأطفال الخدج والمصابين الذين تُركوا للموت وسط القصف ونقص الكهرباء.والامر تكرر فى كافة مستشفيات القطاع الأخرى  التى تم قصفها بلا رحمة بالجرحى أو المرضى!!

كما رُصدت تصرفات تمييزية واضحة من بعض أفراد تلك المنظمة، سواء في التعامل مع الأسرى أو الجرحى أو حتى الجثامين، إذ ظهر بوضوح التفاوت في التعاطي بين الأسرى الإسرائيليين الذين أُفرج عنهم في غزة، والأسرى الفلسطينيين الذين خرجوا من سجون الاحتلال، وهو ما عكس ازدواجيةً مؤلمة وانحيازًا صارخًا.

وفى هذا الإطار أيضا فإنه وفقًا لتقارير إعلامية متقاطعة، فقد اتُهم الصليب الأحمر في ديسمبر 2023 بالمشاركة في محاولةٍ فاشلة لتحرير أحد الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، تحت غطاء مهمة إنسانية.

فبحسب ما تسرب حينها، كان بعض رجال المقاومة قد طلبوا من الصليب الأحمر مساعدة طبية للأسير لديهم، فاستجاب ممثلو المنظمة بسرعة على غير عادتهم، ثم تبيّن أن وفد الصليب الأحمر قد حضر برفقة وحدةٍ خاصة من جيش الاحتلال في عملية خادعة هدفت إلى اغتيال المقاومين وتحرير الأسير.

لكن المقاومة كانت تتابع بدقة ما يجري، فاستعدت للمكيدة، وانتهت العملية بفشل ذريع، حيث قُتل الجندي الإسرائيلي، وسقطت القوة المهاجمة، وانكشف الدور الملتبس للمنظمة التي كان يُفترض بها أن تكون راعيةً للحياد الإنساني، لا شريكًا في الخداع العسكري.

المفارقة أن هذا لم يكن أول تواطؤ من نوعه، فقد سبق للصليب الأحمر نفسه أن لعب دورًا تآمريا مشابهًا في حادثة طائرة "سابينا" عام 1972، عندما اختطف أفراد من منظمة أيلول الأسود الفلسطينية طائرة ركاب إسرائيلية من طراز "بوينغ 707" كانت في طريقها من فيينا إلى تل أبيب، مطالبين بالإفراج عن مئة أسير فلسطيني.

وبعد مفاوضات طويلة، طلب مندوب الصليب الأحمر الدولي تمديد المهلة المحددة لتفجير الطائرة، متذرعًا برغبته في إدخال الطعام والدواء للركاب، حيث وافق الخاطفون بدافع إنساني، لكن سيارة الصليب الأحمر التي وصلت إلى الطائرة كانت تقل وحدةً إسرائيلية خاصة متنكرة بزي موظفي المنظمة، ودخل الجنود إلى الطائرة وهم يحملون صناديق الطعام، ثم باغتوا الخاطفين بإطلاق النار، ما أدى إلى مقتل اثنين من المقاومين واعتقال اثنتين.

وفي بيانٍ لاحق، قالت منظمة أيلول الأسود بوضوح:

 "لقد سمحنا بدخول الطعام والماء بدوافع إنسانية، وكانت تلك الثغرة التي نُفذت منها الخدعة. ويؤسفنا أن الصليب الأحمر الدولي شارك في المؤامرة، إذ كان أول من اقترب من الطائرة، ورافق بنفسه من دخلوا إليها متنكرين في زيه."

إن تكرار مثل هذه الوقائع المتآمرة المنحازة، يجعل من الضروري إعادة النظر في التعامل مع مثل  تلك المؤسسات الدولية المخترقة، والتي ما زالت تُقدَّم للعالم كرمز للحياد الإنساني كذبا وزورا ، 

تعليقات