حين يبني إنسان كولدير ماء على الطريق، أو يضع طرمبة في قرية عطشى، أو يحفر بئرًا في صحراء مقفرة، أو يمدّ أنبوبًا يصل الماء إلى بيوت الفقراء… تهتف له القلوب بالدعاء، وتترحّم عليه الألسنة كلما ارتوى ظامئ، أو غسل إنسان يديه، أو عاش زرعٌ بسقيا ذلك الماء.
فما بالك بعملٍ لم يكن صدقةً لفرد، ولا معروفًا لقرية، بل عطيةً لشعب بأكمله… ما بالك بإنسانٍ ترك للأمة صدقة جارية بحجم السد العالي، ذاك النهر الصناعي الذي حفظ حياة أكثر من 120 مليون مصري، وحمى البلاد من جفافٍ قاتل وفيضاناتٍ مدمرة، وجعل الماء – روح الحياة – في قبضة مصر لا في قبضة الطبيعة العمياء.
ومن رحم هذا السد، وُلدت بحيرة ناصر، أكبر بحيرة صناعية في العالم، وخزان مصر المائي العظيم، لتكون حصنًا ضد العطش، وذخرًا للأجيال القادمة، وعينًا كبرى تحفظ النيل وتوزّع خيره بالعدل واليقين.
السد العالي لم يكن مجرد مشروع هندسي، بل كان ملحمة من ملاحم البقاء، مشروعًا للخلود زرع في قلب الصحراء أنهارًا من كهرباء أنارت البيوت والمصانع، وأطلقت الزراعة على مدار العام، وضاعفت مساحة الأرض الخضراء، وحوّلت حلم النهضة إلى واقع.
إنه العمل الصالح الأعظم، والصدقة الجارية التي لا تنقطع، والشهادة الباقية أن جمال عبد الناصر ورجال السد العالي كانوا يعرفون معنى "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
رحم الله جمال عبد الناصر، ورحم كل من شارك في بناء هذا الحائط العظيم في وجه الفقر والعطش، ليبقى الدعاء والرحمة لهم ما دام النيل يجري وما دام على هذه الأرض حياة.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق