«رحم الله امرأً عرف من أين، وفي أين، وإلى أين.»
من أين: تذكّر بالمبدأ؛ أصلُ الإنسان من الله، ومعرفةُ الله هي بدايةُ الدين: «أولُ الدين معرفته».
في أين: حياتنا ميدانُ اختبارٍ وارتقاء، والاقتداء بالنبيّ وآله سبيلُ السلوك.
إلى أين: المصيرُ إلى الله؛ فالحياة ليست عبثًا، بل طريقٌ يُجازى فيه كلُّ سعيٍ بالعدل الكامل: «وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى».
ومن هذا الوعي بالمبدأ والغاية تولدُ روحُ المقاومة.
فمَن عرف من أين جاء، وإلى أين يمضي، لا يمكن أن يعيشَ بلا موقف، ولا أن يُذلّ أمام قوّةٍ تُريد له الخضوع.
المقاومة ليست خيارًا سياسيًّا، بل إيمانٌ يمشي على الأرض؛ امتدادٌ لذلك الإدراك العميق بأن القوة الحقيقية من الله، لا من الحديد والنار.
إنها يقينٌ يتحوّل إلى عمل، وإيمانٌ يترجم نفسه إلى فعلٍ وصبرٍ وثبات.
فالمؤمن الذي يعرف مبدءَه وغايتَه لا يقبل أن يُهان، ومن يدرك نهايته لا يفرّ من امتحان الحقّ.
الإيمان هنا ليس فكرةً تُقال، بل طاقةٌ تُحْيي القلب وتُحوّل الخوف إلى ثبات، والضعف إلى صمود، ثم إلى فعلٍ يُدافع عن الكرامة.
المقاومة إذن ليست سباقًا على سبائك الحديد، بل ترجمةٌ لليقين.
لا تراهن على تساوي العتاد، بل على الحقّ والإيمان واليقين.
لم تُخلق لتوازن العدوّ في السلاح، بل لتتفوق عليه في الصدق والصلابة.
قال تعالى: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة» — ولم يقل: ما لديهم من قوة.
فالإعداد بمقدورك هو التكليف، وأما ما بعد الاستطاعة فشأنُ الله.
جوهر المقاومة أن تفعل ما تستطيع، وتترك لله ما لا تستطيع؛ أن تقاتل بما تملك، وتوقن أن الله يُكمل ما ينقصك.
يوم بدرٍ وعد الله المؤمنين أن النصر لا يُقاس بالعدد:
«إن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين… وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين».
الله لا يريد منا القوة المطلقة، بل الثبات المطلق: صبرًا، إيمانًا، يقينًا — ثم يقول لنا: أنا معكم.
أيّ قوةٍ أعظم من أن يكون الله معك؟ وهل تساوي ترسانةُ الأرض قربَ الله ونصرَه؟
حين ردَعت المقاومةُ إسرائيل، لم يكن ذلك بتفوّقٍ في السلاح، بل بيقينٍ لا يعرف الخوف.
الردع لا يُقاس بعدد، بل باستعدادٍ للشهادة أكثر مما هو استعدادٌ للعدوان.
لسنا في سباق مصانع السلاح؛ نحن في امتحان الصبر والثبات.
النصر بإذن الله، والهزيمة بفقدان الثقة به.
من شعر بقوّته مع الله وبضعفه أمام الله، كُتب له النصر.
ومن ظنّ قوّته في سلاحه، انهزم قبل أن يقاتل.
المقاومة التي تربّت على هذا الإيمان تعلم أن النصر وعدٌ إلهيّ مشروطٌ بالصدق والصبر والاستعداد.
نقاتل لا لإثبات تفوّقٍ تسليحيّ، بل لإثبات صدقٍ وإخلاصٍ وثباتٍ — لأن الضعف في ميزان البشر قد يكون أعظمَ قوةٍ في ميزان الله.
«ولينصرنّ الله من ينصره، إن الله لقويٌّ عزيز».
تلك هي القاعدة الأزلية: كن قويًا بالله، ضعيفًا أمام الله، صادقًا مع الله — ومن كان كذلك… لا يُهزم أبدًا.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق