علي أبو هميلة يكتب : سينما الانتخابات "رشدي الخيام اكتساح"


يعتبر الفنان عادل إمام من أكثر ممثلي جيله الذي تعرض لانتخابات مجلس الشعب (النواب) في أفلامه حيث قدم خمسة أفلام تتناول العملية الانتخابية من الترشح حتى النجاح في الدخول تحت القبة، تعامل عادل إمام من خلال هذه الأفلام مع أربعة مؤلفين سينمائيين لكل منهم رؤيته ووجهة نظره يقترب أثنان منهم فكريا قليلا مثل وحيد حامد، ولينين الرملي، بينما يقف أحسان عبد القدوس ويوسف معاطي على أرضيات مختلفة، تنوعت الأفكار بين التراجيديا الدرامية في فيلمين مثل حتى لا يطير الدخان لإحسان عبد القدوسن وطيور الظلام لوحيد حامدأ الكوميديا الهزلية في فيلم لينين الرملي (بخيت وعديله) وفيلمي يوسف معاطي الواد محروس بتاع الوزير، ومرجان أحمد مرجان، تعامل أيضا مع أربعة مخرجين هم على التوالي أحمد يحيى، نادر جلال فيلمان، شريف عرفه، وعلي إدريس في الفيلم الأخير مرجان أحمد مرجان. 

أصوات الجماهير كان لها اعتبار 

كان أول تلك الأفلام فيلم حتى لا يطير الدخان عن قصة لإحسان عبد القدوس الذي إشار أيضا للعملية الانتخابية في فيلم الراقصة السياسي، وإخراج أحمد يحيى وإنتاج 1984، والفيلم يحكي قصة طالب الحقوق فهمي عبد الهادي الفقير الذي يخدم أبناء الإغنياء من أجل تكسب قوت يومه، وينجح بتفوق في الكليةن يشعر فهمي دائما أنه أقل من أصدقائه فهو لا يعد في نظرهم أكثر من خادم، فهمي يقرر الصعود عن طريق السمسرة وتجارة المخدرات، ويقرر فهمي الحصول على الحصانة البرلمانية والترشح لمجلس النواب، يستخدم فهمي إساليب تتناسب مع طبعيته كتاجر مخدرات متخفي في صورة رجل الأعمال فيشتري الأصوات الانتخابية لحصل على عضوية المجلس. 

الفيلم الثاني لإمام كان  طيور الظلام الذي كتبه أحد أهم كتاب السينما المصرية في النصف قرن الأخير وحيد حامد، وأخرجه شريف عرفة عام 1995، ويعتبر أحد أهم أفلام السينما المصرية في سنوات إنتاجه، وقد تناول الفيلم ترشح وزير من أقطاب الحزب الحاكم (الحزب الوطني) بعد تخلي الحزب عنه في مواجهة أحد أبناء الدائرة القوي، فيستعين رشدي الخيام الوزير بفتحي نوفل المحامي أبن الدائرة لكي يتولى إدارة حملته الأنتخابية، بعدها بعامين كان عادل إمام بطلا لفيلم بخيت وعديلة الجزء الثاني الذي عرض بعنوان (الجردل والكنكة) وفيه قدم عادل إمام شخصية بخيت حنيدق المهيطل العامل في أحد المصانع الذي لا يستطيع الحصول على شقة للزواج فيقرر الدخول للانتخابات طمعا في الحصول على شقة كعضو في المجلس ويواجه أباطرة المرشحين، منهم مرشح الحزب الحاكم عن العمال، ورئيس مجلس إدارة الشركة التي يعمل بها عن  مرشح عن العمال أيضا، بينما تواجه خطيبته عديلة رمز (الكنكة) مرشح التيار الإسلامي، مرشح الحزب الحاكم (فئات) عندما كانت الانتخابات الدوائر فردية، الفيلم من تأليف لينين الرملي، وإخراج نادر جلال وإنتاج 1997. 

الفيلم الرابع الذي قدمه عادل إمام وتناول العملية الانتخابية فكان فيلم الواد محروس بتاع الوزير من تاليف يوسف معاطي، وإخراج نادر جلال أيضا ويتناول قصة محروس أحد أبناء قرية أحد الوزراء وبعد انتهاء خدمته العسكرية يطلب والده من الوزير أن يعمل معه محروس، يستطيع محروس الفقير أن يتطلع على كل أسرار الوزير من خلال عمله بالقرب منه، ويعرف كل نقاط فساده وضعفه، يتخلص الوزير من محروس الذي يتحول إلى جشع يطمع في طلبات كثيرة، يطرد الوزير محروس من العمل مع فراغ الدائرة الانتخابية فيقرر محروس الترشح للانتخابات حتى ينتقم من الوزير، وينجح محروس في الانتخابات معتمدا على الخدمات التي قدمها لأهل الدائرة أثناء خدمته للوزير.

مرجان أحمد مرجان أنتخابات بطعم جديد 

 الفيلم الخامس والأخير لعادل إمام الذي تناول العملية الانتخابية ويعتبر من أنضج الأفلام هو فيلم مرجان أحمد مرجان وهو الفيلم الثاني لعادل إمام مع يوسف معاطي الذي تناول نفس الموضوع، والفيلم من إخراج على إدريس، وإنتاج 2007،  الفيلم يتناول قصة رجل الأعمال مرجان أحمد مرجان الذي يؤمن أنه يستطيع أن يقوم بشراء أي شيء بالمال، ومرجان رغم نجاحه كرجل أعمال إلا أنه قليل التعليم، وفي نفس الوقت يشعر أنه بحاجة لحماية شعبية من غضبة النظام فيقول جملة "عشان تبقى ضامن نفسك في البلد دي لازم تظبط نفسك من فوق ومن تحت" وذلك ردا على تساؤل حسن مساعده عن سبب ترشحه للمجلس.

الأفلام الخمسة  تعكس ظروف وطبيعة الانتخابات البرلمانية المصرية خلال عقدين من الزمان حيث كان من الممكن في سنوات التسعينات أن يصعد أحد المرشحين من القاع لينجح بالعمل بين الجماهير والصمود في وجه نفوذ وسلطات الحزب الحاكم وتجلى هذا في فيلم بخيت وعديلة الجزء الثاني بسيناريو وحوار لينين الرملي الكاتب المؤثر في تاريخ الكتابة الكوميديا المصرية بأعماله التي تنتمي للكوميديا السوداء ومن أهم أعماله ما قدمه مسرحيا مع الفنان محمد صبحي مثل مسرحيات الهمجي، وجهة نظر، انتهي الدرس يا غبي، بالعربي الفصيح، تخاريف،وغيرها مثل  سعدون المجنون، وأهلا يا بكوات، ومن اهم أفلامه البداية، والنعامة والطاووس، ويظهر بوضوح في فيلم بخيت وعديله  انحياز لينين إلى الطبقة العاملة وإيمانه بقدرة الناس على إنجاح اختياراتها في الحارات والشوارع الصغيرة. 

أما الفيلم الثاني الواد محروس بتاع الوزير ليوسف معاطي فيعكس فكرة قدرة الانتخابات في الارياف المصرية والانتماء القبلي في إنجاح مرشح لمجلس النواب وهي الفكرة التي كانت تستطيع في تلك الفترة أن تأتي بنائب غير مؤهل، أو قليل الثقافة لمجرد أن يقدم خدمات جماهيرية لأهل الدائرة، بالإضافة إلى العلاقات والمجاملات التي يقوم بها في أفراح وأحزان أهل الدائرة، فهو نأئب الخدمات والمشاركات الاجتماعية، أيضا كان هذا الفيلم تعبيرا عن أجواء ومناخ انتخابي كان يعطي فرصا قليلة لتواجد نائب معارض من أحزاب سياسية يقدم خدمات ويستطيع أن يقدم أيضا استجوابات وطلبات إحاطة للحكومة، وهذه الفترة شهدت في مصر صعود لمرشحي التيارات السياسية وأحزاب مصرية مثل الوفد، التجمع، الناصري، والمستقلين، وجماعة الإخوان المسلمين. 

رشدي الخيام أكتساح 

استطاع وحيد حامد في فيلمه طيور الظلام أن يقدم صورة حقيقية للانتخابات البرلمانية في مصر في عام 1995 من خلال مأزق وزير الحكومة رشدي الخيام التي تقرر الحكومة التضحية به وترشيحه في دائرة انتخابية معروفة نتائجها كون المنافس صاحب أكبر خدمات لأهل الدائرة، أبن لكبرى العائلات في المنطقة عبد الحميد السيوفي، وينصح أحد المحامين الوزير بالاستعانة بتلميذه المحامي فتحي نوفل لكي يكون دليله في الدائرة بوصفه أحد أبناء الدائرة، فتحي محامي بارع، وظروفه الاحتماعية خلقت منه متسلق جشع ويتفق مع الوزير أن يكون مدير حملته الدعائية مقابل مبلغ ضخم.

كالعادة في الفيلم يلجأ فتحي لزملائه وأصدقائه الذين يرافقهم منذ الجامعةن محسن اليساري الناصري الذي يعرض عليه أن يقوم بعمل مجموعة شعارات انتخابية مقابل مبلغ ضخم، يرفض محسن ان يتجاوب مع فتحي الذي يقول له "من أحسن من قعدة القهوة أنت هاتعمل أيه ماهم شوية شعارات من اللي أنت شاطر فيها" إشارة وحيد حامد هنا للشعارات الناصرية واليسارية اللامعة والجاذبة للجماهير، ويرد محسن أنه لا يبيع مبادئه، والجلوس على القهوة أفضل من ذلك، ويتوجه فتحي للمحامي على الزناتي الذي يمثل التيارات الإسلامية ويتفقان على صفقة أن تعطى الأصوات للوزير في مقابل خدمة للتيار مؤجلة. 

يتعاون فتحي مع مجموعة من محاميي الأرياف الذي يرفعون شعارات جاذبة للناس مثل "لا نحتاج لافتات قماش وأنتم تحتاجون القماش .. إذهبو وخذوا القماش" يقوم فتحي بتقديم صورة للوزير القريب من الناس والذي ينزل إلى القرى ويحتك مع الفقراء، الفلاحينن النساء، والاطفال، لكن كل هذا لا يجدى مع مرشح قوي وأبن الدائرة وله خدمات في كل منزل، فتكون القاضية بإتفاق مع ضابط المباحث أن يقوم بالقبض على أحد أبناء كبرى العائلات، ولا يفرج عنه إلا بتدخل الوزير صفقة مالية مربحة لظابط المباحث تكون القاضية للمرشح المنافس ويكون نجاح رشدي الخيام أكتساح. 

مشهدان في الفيلم الأخير لعادل إمام من أفلامه التي تناولت الترشح للانتخابات مرجان أحمد مرجان المشهدان كاشفان للعملية الانتخابية في 2005 حيث اصبحت الانتخابات فوقية تتم بالاتفاق مع أهل السلطة والنفوذ، فمرجان الذي تعود أن يشتري كل شيء بالمال ممكن أن يشتري مقعد المجلس بالمال حتى لو كان المرشح أمامه أستاذة جامعية وهو الحاصل على دبلوم المهن الصناعية، واستاذة الحضارة وهو الذي لا يقرأ كتاب، ولكنه يملك أن يشتري كل شيء بنفوذ المال حتى نتيجة الانتخابات، في مشهد عاكس للوضع المؤتمر الانتخابي للاستاذة الجامعية جيهان مراد لا مكان فيه لقدم، والمؤتمر الانتخابي لمرجان فيه ثلاثة أشخاص فقد أحدهم نائم وهو خاضن لوجبة غذائية، ويخطب مرجان في كوميديا ساخرة "أيتها الجماهير العريضة" بينما عمال مصانعه وأبناءه في سرداق المنافسة. 

المشهد الثاني اللجنة تعلن نتيجة الانتخابات فوز مرجان أحمد مرجان وسط ذهول الجميع، فقد نجح مرجان أحمد مرجان بسطوة النفوذ التبرع لرجال الحزب الحاكم، والسلطات المتعددة، فلا مكان لأصوات الجماهير التي تذهب إلى التصويت فقد أصبح التصويت والاختيار فوقين علوين سلطوين يكفي فقط أن تدفع، كما قال كمال الفولي في فيلم عمارة يعقوبيان أنتاج 2006 أيضا بطولة عادل أمام للحاج عزام الذي أدى دوره الفنان نور الشريف "تترشح دي بتاعك .. أنما تنجح دي بقى بتاعتنا" يتبقى أن يذهب مرجان أحمد مرجان وكل مرجان في مجلس النواب إلى القاعة ليسخر من نقد الشعب للحكومة ويحولها إلى مسخرة فيصيح إن "هناك قطار خرج من الجيزة ووصل العياط دون حادث أو حريق" وإن "رغيف العيش بخمسة قروش وكبير وأبيض زي الفل" الدفاع عن تجاوزات الداخلية اللي شايلين المشتبه فيهم من على الأرض شيل، واختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب "دي مناعة" 

المصدر : الجزيرة مباشر نت 




تعليقات