علي أبو هميلة يكتب : تجارب حزبية مصرية كان من الممكن ولكن!


أحزاب مصرية ملأت الساحة بعد ثورة يناير 2011 وما تلاها من أحداث فتحت المجال العام السياسي المصري وصلت إلى أكثر من 140 حزبا مصريا بشكل لم يسبق أن شاهدته الحياة السياسية المصرية، سواء قبل ألغاء الأحزاب عقب يوليو 1952 أو عند بدء التجربة الحزبية بعدها في عام 1976 بالمنابر الثلاثة التي صدرت بقرار من رئيس الجمهورية في ذلك الوقت وهي منابر اليسار الذي يمثل معارضي السلطة، ويمين السلطة الذي يمثل الأكثر تطرفا نحو اليمين الرأسمالي، والوسط الذي كان يمثل السلطة قبل أن تتحول المنابر إلى أحزاب بعد عام واحد لتتكون خمس أحزاب مصرية كان أشهرها الوفد الجديد، والتجمع التقدمي الوحدوي، حزب مصر الذي كان يمثل السلطة في مصر وترأسه رئيس الجمهورية أنور السادات قبل أن يحوله إلى الحزب الوطني الديمقراطي، ثم حزب الأحرار وتزعمه مصطفي كامل مراد، ولحقهم حزب الامة برئاسة أحمد الصباحي. 

تاريخ الأحزاب المصرية 

الواقع أن قبل ثورة يوليو 1952 كان الوفد هو أشهر الأحزاب المصرية رغم مروره بمنعطفات سياسية عديده وانقسامه إلى حزبين، قبل الثورة، وكان الوفد القديم يمثل النضال الوطني من أجل الاستقلال، ورغم شهرة الوفد أبان تلك الفترة أنه حزب الجلاليب الزرقاء (حزب الفلاحين) إلا أن نشأة الوفد التي بدأت مع ثورة 1919 وكونه الحزب التي يمثلها إلا أن الوفد قبل يوليو لم يكن أبدا حزبا للجلاليب الزرقاء أو العمال والطبقة العاملة، تلك الفئات التي صوتت للوفد في كل الانتخابات، فعندما تحول الوفد من ممثل للمصريين في مفاوضات الجلاء إلى حزبا سياسيا كان حزبا رأسماليا يمثل الطقبة العليا من الرأسماليين سواء من كبار الاقطاعيين أو أصحاب المصانع والرأسمالية المصرية، وخلال ثلاثين عاما لم يتولى الوفد رئاسة الحكومة المصرية إلا ما يقارب السنوات الثلاثة، وأخفق الوفد في الهدف الرئيسي التي انشأ من أجله وهو جلاء الاحتلال الإنجليزي عن مصر الذي تحقق في عام 1953 بعد ثورة يوليو بعامين. 

كانت أحزاب قبل يوليو ما عدا الوفد مثل الحزب الوطني ذي أسسه الزعيم الوطني مصطفي كامل، و الأمة أسسه أحمد لطفي السيد، حزب الشعب الذي أسسه أسماعيل صدقي كمعارض للوفد، الحزب السعدي، وغيره لم تكن ذات شعبية كبيرة، وكان الوفد هو ما يمثل الأمة وأن بدا هذا التمثيل شكليا فلم تخرج الجماهير أعقاب قرار حل الأحزاب تدافع عن أي حزب بما فيها حزب الوفد الذي كان مفروضا أنه حزب الشعب، وهي نقطة الضعف الكبرى لدى كل الأحزاب المصرية على مدى تاريخها حتى الآن. 

كان قرار تكوين المنابر ومن ثم الأحزاب المصرية بعده هو قرارا صائبا من الناحية التاريخية والشكلية بحكم أنه كون ثلاث منابر رئيسية ومن ثم ثلاثة أحزاب هي الوفد الجديد، التجمع التقدمي الوحدوي، وحزب مصر الذي كان يمثل السلطة، ثم لحقهم حزب الأحرار ثم حزب الأمة، الواقع أن هذه التشكيلة الحزبية هي الأنسب سياسيا فلدينا فيها حزب يساري يمثل كل التيارات السياسية من أقصى يمينها اليساري كالشيوعيين، حتى وسط اليسار الناصريين، إلى يسار اليسار، ولدينا حزب يمثل اللبيرالية الرأسمالية وهو  الوفد، وعلى يساره الأحرار والأمة، ومن بعد كان يمكن أضافة الأخوان المسلمين الذي يقتربون جدا سياسيا من هذا الأتجاه، أما حزب مصر ومن بعده فهو حزب السلطة وهو يمثل الإغلبية من المصريين الذين يجدون في السلطة الحماية والنفوذ، وهو ما أكدته تجربة الحزب الوطني حينما قرر السادات تكوينه فتحول كل أعضاء حزب مصر إلى الحزب الجديد. 

هذه التجربة المصرية من حزب مصر إلى الحزب الوطني هي أبلغ تعبير عن الحال المصري، والمواطن الذي يبحث دائما عن الأمان بعيدا عن الأيدلوجيات السياسية يمينية كانت أو يسارية، فالتجربة المصرية قبل يوليو وما سمي بعصر النهضة المصرية منذ عام 1923 حتى 1950 لم يستطع أن يخلق مواطنا سياسيا أو صاحب أيدلوجية ينتمي إليها، فقد تمركزت حالة النهضة الفكرية والسياسية في تلك الفترة على القاهرة والمدن الكبرى، ولم يكن هناك في الأقاليم وبين أبنائه سوى الوفد الذي يرفع شعار الجلاء والاستقلال، بالتالي كان حزب السلطة دائما وحتى الأن هو حزب الباحثين عن الأمان بجوارها، والنفوذ بالقرب منها. 

الوفد الجديد والتجمع 

صاحب إنشاء الوفد الجديد بقيادة فؤاد سراج الدين وزير الداخلية المصري في أخر حكومة وفدية قبل ثورة يوليو ردة فعل جماهيرية كبرى، ورغم السياسة العامة للوفد التي تميل إلى الرأسمالية الاقتصادية وعمادها من أصحاب المصالح الكبرى والأقطاعيين القدامي، إلا أن الحزب قوبل بترحاب عالى، خاصة بعد سنوات من الانفتاح الاقتصادي وظهور طبقة رأسمالية جديدة ناتجة عن الاستيراد الضخم في تلك السنوات، وظهور الصناعات الاستهلاكية. 

لم يصمد الوفد طويلا رغم نجاحه النسبي في السنوات الأولى لحكم مبارك وظهوره في الأنتخابات البرلمانية في أعوام 1979، 1984، 1987، وتحالفه مع الأخوان المسلمين في تلك الانتخابات، إلا أن بدايات التسعينات شهدت أنقسامات داخل الوفد بعد أختفاء الزعماء التاريحيين، وانحدرت الأمور بعد خروج أغلب شباب الحزب الذي حاول جاهدا أن يمزج بين تاريخ الحزب والاهتمام بالجوانب الاجتماعية بإضافة بعد اجتماعي للحزب، ثم توالت الأحداث عاصفة في الحزب بعد بداية الألفية الجديدة وتشكيل حزب الغد برئاسة أيمن نور الذي يمثل جيل الشباب في الحزب في ذلك الوقت، توالت أنكسارات الحزب بعد ترشح نعمان جمعة رئيسه في انتخابات 2005 وحل ثالثا، ثم تولى رئاسة الحزب بعد خلافات داخله شخصيات ليست على مستو تاريخ الحزب، ولا ما صاحب تشكيله الجديد من ترحاب، وتوارى الحزب الآن بين أكثر من 142 حزبا لا يعرف الجمهور منهم خمسة أحزاب. 

ما حدث للوفد تاريخيا حدث للتجمع التقدمي الوحدوي فمن قيادة تاريخية ممثلة في خالد محي الدين عضو مجلس قيادة ثورة يوليو وضابط سلاح الفرسان صاحب الموقف التاريخي في أزمة مارس 1954، والذي استطاع أن يحمع كل أطياف اليسار المصري، وما طرحه الحزب من برنامج اقتصادي أشتراكي، وضم كل الفئات التي صعدت في العصر الناصري إضافة إلى الناصريين الذين كانت الفترة الناصرية عاملا هما في تكوينه بإنجازاتها الاحتماعية الكبرى، فكان التجمع ميلادا كبيرا وضخما متسعا باتساع أنجازات الفترة الناصرية، وكان أملا للطيقات العمالية، المثقفين، أبناء التجربة، والفلاحين الذين استفادوا من قوانين الأصلاح والنهضة الصناعية، والتعليمية، ويعتبر الحزب الذي كان يتواجد له كوادر في الأقاليم البعيدة. 

المصدر : الجزيرة مباشر نت

تعليقات