د. أحمد الصاوي يكتب : التحايل التعيس


كنت اتمنى أن يكون الافتتاح المهيب للمتحف المصري الكبير مناسبة "واعظة" لفئة المستثمرين العقاريين تحملهم على التخلي عن حملتهم الصليبية للاستيلاء غصبا واقتدارا على أرض متحف بورسعيد القومي 

كنت أتمنى أن تلين قلوبهم وهم يتخيلون احتفالا مماثلا في عنفوانه وبريقه على ضفة قناة السويس وشاطئ المتوسط يفتتح خلاله الرئيس عبد الفتاح السيسي المبنى الجديد لمتحف بورسعيد بحضور ضيوف من أرجاء المعمورة ولكن يبدو أن على قلوب أقفالها الوثيقة من البنكنوت الملون

ولمن فاتته الحلقات الأولى من تراجيديا الاستيلاء على أرض المتحف نجمل فصولها فيما يلي

١ - فجأة وضعت هيئة قناة السويس يدها على أرض متحف بورسعيد القومي وأعلنت أنها صارت لشركة مكسيم لتقيم عليها أبراجا سكنية تم بالفعل الإعلان عنها وسبق ذلك الإعلان عن إنشاء فندق لذات الشركة في مبنى القبة التاريخي

٢- نتيجة لتاريخ شركة مكسيم السلبي في مشروعاتها بالساحل الشمالي أخفقت حملة الترويج للابراج السكنية وتعرض مشروع الفندق بمبنى القبة لموجة من التحذيرات الجدية من تأثير استخدامه فندقا على طبيعته الأثرية بل وسلامة المبنى

٣- منذ عدة أشهر تم الإعلان عن عزم هيئة قناة السويس ومحافظة بورسعيد معا إنشاء فندق على أرض متحف بورسعيد القومي وهكذا انتقل مشروع الفندق من القبة لأرض المتحف بينما أعلن مؤخرا وبعد تردد أن مبنى القبة سيتحول لمتحف ويالطبع ظن البعض أننا أمام مقايضة عقارية ينتقل متحف بورسعيد القومي بمقتضاها لمبنى القبة ولكن حقيقة الأمر أن مبنى القبة سيصبح متحفا خاصا بقناة السويس وتاريخها وليس متحفا للمقتنيات الأثرية الخاصة بمتحف بورسعيد القومي 

واستباقا لما سيجري وسيقال أود أن أبطل حججا ممجوجة وبالغة الرداءة بأن متحف القناة هو بديل لمتحف بورسعيد القومي وأنه من العبث أن يكون هنا بالمدينة متحفان يفصل بينهما أقل من الف متر

هذا المنطق المعوج يلتف بحجة واهية على حق بورسعيد بمتحفها القومي أسوة بمحافظات داخلية وليس له من هدف سوى تسويغ الاستيلاء بغير سند قانوني على أرض المتحف لصالح المستثمرين على الرغم من أن لديهم شارع بطوله تشرف مبانيه على مجرى قناة السويس ويمكن إنشاء فنادق وليس مجرد فندق عوضا عن أي منها

المعضلة أمام المستثمرين العقاريين أن لتلك المباني ملاك ينبغي دفع أثمان الأرض لهم بينما أرض المتحف يغيب مالكها ويغفو لأسباب غير جديرة بأي اعتبار والاستيلاء عليها لن يكلف شيئا يذكر

الغرض مرض كما يقولون وهؤلاء ليس لهم هدف سوى اغتصاب أرض المتحف بأي حجج على طريقة حتتباس يعني حتتباس يا عباس

لا يليق أن يحتج أحد بمتحف في علم الغيب ولا يغني عن متحف بورسعيد القومي بزعم أن المسافة بين المتحفين قصيرة فالمتحف ليس صيدلية ستنافس أخرى تعرض نفس المنتجات وقد أثبتت تجربة افتتاح المتحف المصري الكبير أن تعدد المتاحف في المدينة الواحدة مطلب حضاري وهدف سياحي وموئل استثماري وينبغي علينا جميعا أن نحترم سياسة الدولة وسيادتها في هذا السياق لاسيما مع إعلان الحكومة عن سعيها لزيادة أعداد السائحين إلى ٥٠ مليون سائح سنويا

وبورسعيد ليست قرية صغيرة بل هي واجهة تاريخية ووجهة سياحية معتبرة وبحاجة لدعم مقاصدها ومواقعها السياحية 

نحن لا نطلب مستحيلا فالمتحف كان قائما وأرضه ملك له بلا منازع ومقتنياته تملأ المخازن ولا يليق بمصر مهد الحضارة أن تضحي بهذا المتحف من أجل فندق يمكن أن يقام بأي مكان آخر يملكه أصحابه 

حجتكم داحضة فليس قرب متحف القبة ببديل أو مزاحم لمتحف بورسعيد القومي علما بأن ذات الحجة البليدة والمرواغة قيلت سابقا على لسان مسئول محلي بأن بورسعيد يكفيها المتحف الحربي

لن يداس حق بورسعيد بمتحفها القومي ولو اقتضى الأمر أن نرفع الأمر لرئيس الجمهورية 

تعليقات