لدى فى دولابي الذى انتقل معي إلى مدينة الإسكندرية - كجزء من ثروة العمر - ثلاثة جلابيب ريفية للخروج الشتوى ، وأربعة جلاليب من الكتان للخروج فى الصيف وهم يتعايشون فى دولابي فى جوار منذ عشر سنوات مع عدد معقول من البدل وعدد ملازم من الكرافتات والقمصان (كجزء من لوازم الحياة المهنية وكمقتضى من مقتضيات المناسبات الرسمية) جنباً إلى جنب إلى جوار بناطيل الچينز والجبردين ، وفى صحبتهم قمصان صيفية مقلمة ومشجرة وتيشيرتات ملونة وشورتات من الجبردين والشيرزيه والووتربروف للخروجات الصيفية على ساحل بحر المدينة التى أصبحت سكني الجديد ، وينام فوقهم على الرف الترنجات والسويتات بانس كخليط مناسب لرجل يتنقل عابراً مجتمعات المدينة الساحلية ومجتمعات المدينة الريفية والقرى وعواصم المدن مابين الساحلي منها والنيلي والحبيس وصولاً للقاهرة العاصمة وأعتقد أن هذا شأن كثير من المصريين خاصة أولئك الذين ينحدرون من أصول ريفية ويحرصون على زيارة قراهم لمعاودة اقربائهم واصدقائهم ومعارفهم ، لكننى أولئك الذين تحدد الضرورة الموضوعية طريقة ارتدائهم لملابسهم واعتقد أيضاً أنني لااتفرد عن الكثيرين فى هذا ..
المهم
أنني قبل مباراة الأهلى والترجي عام ٢٠١٨ تلك التى أنهزم فيها الأهلى ثلاثة صفر
يومها - كعادتي فى مثل هذه الأوقات - ارتديت جلبابى الريفي لا لأنه كان أنيقاً ، بل لأنه اسهل عمليا ويمكن ارتدائه على عجل واختصارا للوقت ، ثم نزلت من بيتي فى الاسكندرية (الذى شاء الحظ أن انتقل إليها للإقامة فى مارس من نفس العام) وذلك لأشاهد المباراه فى أحد المقاهي التى تذيع المباراة لأنني لا املك اشتراكا فى القنوات المشفرة التى تحتكر نقل المباراة على الهواء
مررت على اكثر من مقهي فى طريقي الى المقهي الذى وقع اختياري عليه فجلست فى مقعدى لاشاهد المباراه وسط حشد امتلأ به المقهي وطلبت فنجان القهوة ، تقريباً كنت أن الوحيد الذى يرتدى جلبابا ريفيا وسط كل هؤلاء البشر الذين يجلسون على حواف مقاعدهم فى توتر شديد نتيجة أن فريق الترجي ظل منذ البداية متسيدا المباراه ، وبدا لاعبى فريق الأهلي محاصرا فى الثلث الأخير من ملعبه لاحول له ولاقوة ولايفعل لاعبوه شيئاً سوى تشتيت الكرة أما إلى منتصف الملعب أو خارجه فى ظل عواصف من الهجوم الهادر يقوم بها الفريق التونسي إلى أن أحرز فريق الترجي التونسي هدفه الأول فى الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول ، مابين الشوطين قمت لدخول دورة المياه التى لا تبتعد كثيراً عن مقاعد المشاهدين فسمعت أحدهم يصيح فى الآخرين
- طول مالراجل ابو جلابيه ده قاعد الأهلى مش هايغلب .. خلاص الماتش ده اتنحس
صفعتنى صيحة الرجل لكن الغريب أنها لم تصبني بأى حرج أو حتي غضب، بالعكس فقد ضحكت بيني وبين نفسي، وسخرت من ذلك الإندفاع الجنوني الذى تشعله كرة القدم فى عقل البعض لدرجة أن يصبح جلبابي الريفي هو المتسبب فى الهدف رغم أنني جلبابي فى الاسكندرية والمباراة تلعب فى تونس .
لا اعرف كيف ارتدت إلى أذني العبارة الشهيرة التى وردت فى فيلم الأرض (الراجل ابو سويلم ده مش هايجيبها البر ) هتفت داخلي ضاحكاً
كان لابد لرجل المقهي المتحمس أن يواصل حنقه علي انا وجلبابي بترديد هذه العبارة،
وجدتنى اصيح داخلي بدلاً منه
(الراجل ابوسويلم ده مش هايجببها البر)
ظلت هذه العبارة تتردد داخلي ، وظلت الابتسامة التى خرجت بها كبقايا من ضحكى في دورة المياة، وبعد أن خرجت كأن شيئاً لم يكن وجلست فى مقعدى لأتابع احداث الشوط الثاني ، بينما كانت ابتسامتي لاتفارقني مشفوعة بعبارة ظلت تتردد (الراجل ابو سويلم ده مش هايجيبها البر)
وسرعان ماكانت الضربة الثانية التى وقعت على رؤوس المشجعين فى المقهي كوقوع المطرقة فوق أم الرأس، واحرز فريق الترجي الهدف الثاني ..
فالتفت الرجل إياه للصف الذى ورائه قائلاً بنبرة ساخرة ومحبطة فى آن واحد
(مش قولتلكم)
هنا أيقنت أنني ربما سأكون هدفاً للعنات الجالسين الذين بدأت عيونهم تلتفت إلي، وربما يتطور الأمر لأن ويعبر أحدهم بذلك الهاجس الذى ضغط على أحدهم ثم بدأ ينتقل إلى المحيطين به فأصبح المواجهة صريحة ومباشرة، وهى مسألة لست مؤهلاً لمواجهتها فألهمني كوبليه اوبريت (الليلة الكبيره) الذى أبدعه الثنائي العبقري صلاح چاهين وسيد مكاوى (ياللابنا يامسعد نخرج .. شارع التورماي)
تسللت إلى خارج المقهي دافعاً حساب مشروبى لعاملها الذى يقف على عتبتها لتحصيل اثمان المشروبات من الخارجين، وتوجهت إلى البيت غير عابئ بمصير فريقى المفضل الذى نزلت خصيصاً لمتابعة مباراته مع الفريق التونسي
كل ماكان يشغلني فى طريقي الى بيتي هو كلمات اوبريت الليلة الكبيرة الذى حضر فى ذهنى وهيمن على مجال ذاكرتي بداية من أهلا بالبلديات وحمص حمص ع النار يرقص وصولاً إلى طار فى الهوى شاشى وانت ماتدراشى ، إلى أن قطع ذلك صيحة أحدهم لأحد المارة - وانا فى الطريق الى البيت - أن الترجي أحرز الهدف الثالث .
الغريب أنني بدلاً ان احزن لدخول الهدف الثالث بمايعني ضياع البطولة الأفريقية من الأهلي (وهو ماحدث بالفعل) انتابتني كريزة ضحك ، ورغبة فى العودة إلى نفس المقهي الذى كنت أجلس فيه، لأشاهد ردة فعل هؤلاء الذين آمنوا إيمانا لايرقى له الشك أن حضور الرجل ذو الجلباب للمبارة كان هو السبب فى إحراز الفريق الخصم للهدف الأول ثم الثاني، كنت أود أن اسألهم
- ومن المسئول عن دخول الهدف الثالث إذن بعد أن ترك محمد ابو سويلم لكم المقهى والمباراة ومضى إلى حال سبيله حاملاً منجله فى قفته المعلقة برأس فأسه المسنودة على كتفه الأيسر ؟

تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق