علي أبو هميلة يكتب : مدرسة المشاغبين نسخة الدراما التركية


تظل المرحلة الثانوية في الدراسة مهمة في حياة النشء حيث الانتقال من مرحلة الطفولة إلى الشباب وتصحبها تغييرات كثيرة جسديا ونفسيا، وتمثل أكثر مراحل النمو الإنساني وتتغير فيها حياة الإنسان، وتبلغ حساسية المراهق حدا كبيرا تصل إلى تأثير الكلمة الصادرة من الوالدين مبلغا كبيرا، وإذا كانت قوة حساسية الصبي والصبية عالية تجاة الكلمة فإنها ترتفع بدرجة ما إلى الإشارات، والانفعالات، والتصرفات فتؤثر بدرجة أعظم على البناء النفسي والعقلي لهما، ولذا فالحرص على كل فعل من جانب الوالدين يجب أن  تصل إلى قمة الانتباه. 

أخطر ما في تلك المرحلة لدى أبناء هذه المرحلة هو حالة التمرد على المألوف والواقع، وتمتد هذه الحالة إلى التمرد علي الأبوين ذاتهما، فيحاولون الخروج من عباءة الأب والأم، كأنه لكي يكون شخصية عليه أن يرفع صوته، يختار لنفسه عكس اختيار الأب والأم، يريد أن يقول أنا هنا، صاحب شخصية مختلفة، وذات أكونها بنفسي ولست بحاجة لتجاربكم وتعليماتكم، "أنا أبن جيل مختلف ولتكن لي شخصية ومستقبل باختياري"

 بين المشاغبين المصرية والمسلسل التركي  

تهتم الدراما التركية كثيرا بهذه المرحلة وخاصة الإعمال التي تنتج عبر المنصات الخاصة، وأحيانا تهتم بها شركات الانتاج الكبرى في الدراما التركية، وعلى مدار العامين الماضيين شاهدت أكثر من عمل تركي كان الاهتمام الكبير من جانب القائمين عليه هو الحالة الإنسانية والنفسية التي يمر بها طلاب المرحلة الثانوية في المجتمع وقد بدا في الموسم الدرامي الحالي عملا درامي يناقش نفس المرحلة العمرية والدراسية بعنوان (أنا ليمان) سيكون لنا معه وقفة بعد اكتمال حلقاته، ومن أهم الأعمال التي شاهدتها أخيرا عملا دراميا يكاد يكون النسخة التركية من المسرحية المصرية الشهيرة (مدرسة المشاغبين)

المسرحية التي قدمها على سالم وجلال الشرقاوي في سبعينات القرن الماضي، وأحدثت أنقلابا في عالم الكوميديا المصرية، وكذلك في حالة التعليم المصري، واعتمدت المسرحية التي قدمها كبار نجوم الكوميديا وعلى رأسهم عادل إمام، سعيد صالح، يونس شلبي، حسن مصطفي، وسهير البابلي، وكانت المسرحية إنطلاقة جديدة لأحمد زكي، وهادي الجيار، وتعتمد على الكوميديا الهزلية في سياق اللفظ الخارج، والحركات الجسدية، إذكر أن مقاطع من هذه المسرحية كانت تذاع يوميا على إذاعة الشرق الأوسط في مصر، مؤخرا شاهدت المسلسل التركي (عشق 101) من إنتاج شركة القمر التركية ويقع في 8 حلقات ويقوم ببطولته الممثلين الشباب مارت يازجي أوغلو، إلينا بوز، صلاح الدين باشالي، كوبيلاي أكا، فيليز يزيجي، والمسلسل إنتاج 2020. 

الأبطال الخمسة في دراما (عشق 101) كانوا في بداياتهم واصبحوا نجوما في الدراما التركية، مارت كان بطلا الموسم الماضي في مسلسل الزهور الحمراء الذي أثار جدلا كبيرا على منصات التواصل، إلينا كانت بطلة كان يا مكان في إسطنبول، صلاح الدين باشالي هو بطل مسلسل عمر الذي حقق نجاحا كبيرا، وهذا الموسم يعرض له مسلسل الغيرة أو الحسد هو البطل الرئيسي فيه، أما مارت فكان المرشح الأول لاستكمال سلسلة المؤسس عثمان عن حياة أوروهان بن عثمان مؤسس الدولة العثمانية، ولكن هناك من يستبعد إتمام ذلك بعد واقعة المخدرات التي حدثت في تركيا الأسبوع الماضي ويشاع تورط مارت فيها مع 19 نجما من نجوم الدراما والغناء في تركيا. 

فروق في التناول الدرامي 

العملان المصري والتركي يتشابها في كون الأبطال خمسة، فالعملان عن خمسة طلاب في المرحلة الثانوية، الاختلاف هنا أن الخمسة ذكور في المسرحية المصرية، وثلاث ذكور وأثنتان أناث في المسلسل التركي، لكن الخط الرئيس  في العملان حالة التمرد على الأبوية، والنص الدرامي الذي كتبه المؤلفان مختلف حيث يعتمد على سالم على الكوميديا الهزلية ليقدم بها حالة التمرد على الأبوية والحركات الجسدية الخارجة إلى حد كبير واللفظ، واعتمد المؤلفان التركي لمسلسل عشق 101 ميرش إسيمي، وديستان سيدولي على الدراما التراجيديا في المسلسل التركي. 

كل طالب من الطلاب الخمسة يعاني من أزمة داخل الأسرة، ويعالجون مشكلاتهم بالتمرد على السلطة الأسرية أو المدرسية، مارت أو سنان أبويه منفصلان الأب لا يثق فيه، والأم منشغلة عنه بزواج يعيش في منزل جده، يعاني من إهمال الأب والأم، ولا يتواني الأب عن الاستيلاء على مقتنيات المنزل واحدة تلو الأخرى، يهوى الأدب ولكنه عاجز عن الحياة، عثمان أو صلاح الدين باشا يعاني من عقد النجاح المفرط لوالده رجل الأعمال، كريم أو كوبيلاي والده رجل أعمال كبير وأبنه يهوى كرة السلة فيجده فاشلا يريده الأب نسخة منه، أدا تعاني من انفصال أحلامها كمصممة أزياء ورسامة من أبويها اللذان يريدانها أن تلتقي زوجا غنيا لتتزوجه. 

عشق هي الفتاة الخامسة تتمتع بحرية من والديها تهوى الأدب وتكتبه، ممثلة الطلاب في مجلس إدارة المدرسة، وتصارع مدير المدرسة مع معلمة الأدب في المدرسة من أجل إصلاح حال الطلاب الأربعة، الطلاب الأربعة يوميا في مشاجرات ومخالفات مدرسية، من يندفع في مبارة كرة السلة ليضرب زملائه، ومن يتاجر في الوجبات المدرسية، أدا تتمرد وتتورط في علاقات خارجة، سنان يتمرد بقربه من عثمان وكريم ويذكرنا بدور أحمد زكي في مدرسة المشاغبين، تنضم عشق للرباعي المتمرد لحظة تعرضهم للظلم في الحالة الأخيرة قبل فصلهما عن الدراسة. 

لحظة التنوير

دائما ما يلتقى الإنسان بلحظة تنوير في حياته ومفتاح هذه اللحظة قد يكون موقف قاس أنسانيا، حالة فشل كبرى، فقدان، أو لخظة حب وأهتمام، اختار المؤلفان الحظة الأخيرة لتتكشف الأمور أمام المتمردين الخمس، عندما تظهر في حياة الخمس معلمة الأدب العالمي والتركي بورجو (بينار دينيز) بطلة مسلسل القضاء، وبورجو تختلف مع مدير المدرسة في نظرتها للطلاب الأربعة لذا تقف دائما ضد فصلهما وتحطيم مستقبل خمسة شباب لمجرد تمردهما أو انفعالهم المتزايد، وأخفاء أن هناك مشكلة وراء هذا التمرد، ومجلس إدارة المدرسة يرى أنهم شياطين وعديمي التربية. 

لاحظ هنا أيضا المقاربة مع مسرحية مدرسة المشاغبين فهناك كانت معلمة الفلسفة والمنطق، وهنا معلمة الأدب، في الحالتين المعلمة ترفض قرار الفصل وتبحث عن أسباب التمرد أو الفشل، كلتاهما ترى أن الحب مفتاح التقويم وتعديل السلوك المعوج، حتى تساءل الطلبة في الحالتين متشابة في الأولى المصرية يسأل بهجت الأباصيري المعلمة عفت : أنت ليه تتعبي معانا أحنا فاشلين؟" ويعقب "هم عايزينا فاشلين وأحنا ها نحقق لهم احتياجهم" هنا يقصد الأباء الذين يعايرونهم بفشلهم، وفي المسلسل التركي يسأل عثمان (الزعيم والمفكر) ذات السؤال بصيغة مختلفة : ليه المعلمة بورجو دايما بتقف ضد فصلنا؟ وليه في كل مرة بنخذلها ونعرضها لنفس الموقف؟ بتعبير أخر " ماذا ترى فينا لتدافع عنا؟" 

الحب مفتاح التغيير 

السؤال هو مفتاح الإجابة لدي الطلبة في الحالتين وتتصاعد المسألة عندما يشعرون بالذنب ويلتقيا العملان في هذا مدرسة المشاغبين المصرية، وعشق 101 التركي، وفي الأولى المعلمة نفسها تصتب بالاحباط وتقرر الرحيل، ويحاول الطلال الخمس أن يثبتوا أنهم غير فاشلين، وفي الثانية تكون عشق الطالبة الخامسة تتعرض للفصل بسببهم، وتتغير حياة الأربعة الأخرين عن طريق الحب، والتفاهم، ومحاولة إنقاذ الزميلة التي تتعرض للعقاب بسبهم أو ظلما على أثارهم، وكما كانت المعلمة عفت في المشاغبين هي مفتاح التغيير للخماسي المشاغبين، فأن بورجو وعشق في المسلسل التركي هما لحظة التنوير للطلاب الأربعة. 

المسلسل التركي ينبه إلى طرق التربية النفسية والعقلية مع جيل ينمو ويتعرض للكثير من التغييرات الفكرية، وأيضا عالم يتغير في كل لحظة، وينبه الأباء للحرص على نفسية أبنائهم، حتى في استخدام كلمات بسيطة للتعامل معهم وتظهر على لسان الإباء مثل (فاشل، مفاجأة الولد نجح) وعدم تصديق الأبناء، أهمال هواياتهم ورسم مستقبلهم دون مراعاة ميول ورغباتهم، كل هذه الإشياء قد تكون سببا في انعكاس تيار التربية، والتمرد عليهم، فأنتبه أنت أيضا حين تتعامل مع زهور تنمو وفي مرحلة الاكتمال. 

تعليقات